في السابع والعشرين من تموز 2023، عقدَت القمةُ الروسية الأفريقية الثانية حلقةً إقتصادية وإنسانية في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية. وكان لهذه الجلسة رئاسةٌ رباعية مشتركة ضمّت قداسة بطريرك موسكو كيرلّس، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا. وألقى البطريرك كيرلس، بالمناسبة، كلمةً هامة وجّهَها الى الرؤساء السبعة عشر المشاركين في القمة. شدَّد البطريركُ الموسكوبي، في كلمته، على مواضيع مختلفة ومرتبطة بالعلاقات الروسية الأفريقية وبرسالة الكنيسة الأرثوذكسية الموسكوبية في القارة الأفريقية.
وجّهَ البطريرك البالغ من العمر 76 عاماً رسالةً هامة الى مستمعيه الأفارقة حملَت موقفاً محافظاً ومواجهاً للعالم الغربي يشاركُه فيه العديدُ من أبناء الشعوب الأفريقية. رفض قداستُه “النسبية الأخلاقية، وعبادةَ الربح والإستهلاك، والحرية التي يُساء إعتبارُها تساهلاً كاملاً، والتهديدَ بتدمير مؤسسة العائلة التقليدية. هذه بعضٌ من المحن التي نواجهُها بسبب نظام القيم، أو بالحقيقة اللا قيم، التي تفرضُها بعض القوى في الغرب، لأن إعتمادها سيؤدي حتماً الى تهلهلِ البشرية ثقافياً وروحياً”. وذكر قداستُه من بين الخطايا المرتكبة في الغرب زواجَ المثليين والموتَ الرحيم. وقال بأن “مواقفنا المشتركة تجاه هذه المآسي تجمعُنا، ونحن سعيدون بلقاءِ الذين يشاركوننا هذه القيم والمواقف”. وأشارَ قداستُه الى إضطهاد المسيحيين في أفريقيا ودعا الزعماء الأفارقة لبذل كلّ إمكانياتهم للتصدي لهذه الظاهرة. وقال بهذا الصدد: “إن إثارةَ العداء بين الأديان هي إحدى الوسائل الجنائية المستعملة في سياسة هذا العصر. يؤسفني أن أقولَ بأنَّ هذه الظاهرة إنتشرت بشكلٍ خطيرٍ في القارة الأفريقية، وهي تطالُ بشكل خاص المسيحيين الذين يُضطهدون بشدة واضحة. وأنا كرئيسٍ للكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، أدعو بكل جدّيةٍ ومن قلبٍ جريحٍ، أصحابَ النفوذ والسلطات الحقيقية لمعالجة هذه الحالة المأساوية، راجياً إياهم أن يبذلوا كلَّ إمكانياتهم في الدفاع عن المسيحيين المضطهدين في أفريقيا”.
وبعد هذه الجلسة، توجَّه قداسة البطريرك كيرلّس لزيارة موقع المعرض الذي أقامَته إكسرخية بطريركية موسكو في أفريقيا داخل أروقة القمة الروسية الأفريقية. إستقبلَه في الموقع سيادةُ متروبوليت مدينة كلين ليونيداس، إكسرخوس البطريركية في أفريقيا، وشرحَ له محتويات الموقع المعروضة في الرواق. توقّف قداستُه خاصة عند مجموعة من الصور توثقُ أهمَّ تطورات هذه الإكسرخية وتأمَّلَ في مجسمٍ يمثلُ المركز الديني والتربوي الذي تزمعُ الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا على بنائه في مدينة كمبالا عاصمة دولة أوغندا.
وتتكون أكسرخية بطريركية موسكو في أفريقيا من إبرشيتَين، واحدة لشمال أفريقيا وثانية لجنوب أفريقيا، وتأسَّست بقرارٍ من المجمع المقدس الموسكوبي بتاريخ 29 كانون الأول 2021. وفي فترةٍ زمنية لا تتعدى السنة والنصف، أنشأت هذه الإكسرخية أكثرَ من مئتَي رعية في 25 بلداً أفريقياً. وخلقت هذه المبادرة، وللأسف، منافسةً مقيتة بين بطريركية موسكو وبطريركية الإسكندرية وسائر أفريقيا المولجة تقليدياً برعاية الكنيسة الروميّة الأرثوذكسية في القارة الأفريقية. وجاءت هذه الأحداث في خضمِّ الحرب الأوكراينية والشرخ الداخلي الذي أصاب الكنيسة الرومية الأرثوذكسية في أوكراينيا حيث نشأ كيانان كنسيّان متعارضان، أحدُهما مرتبطٌ بكنيسة موسكو والثاني مطالبٌ بالإستقلال ومعترفٌ به من قبل البطريركية المسكونية وكنائس أرثوذكسيةٍ أخرى.