كعادتها في كل سنة، إحتفلت الجمعية الرومية الثقافية بذكرى تأسيسِها في 25 كانون الثاني 2014، وأقامت مأدبة عامرة في نادي لا مارينا في الضبيه، شاركَ فيها ما لا يقلُّ عن مئة وخمسين شخصاً من أعضاء الجمعية وأصدقائها. رعى الإحتفالَ محافظُ بيروت السابق المهندس نقولا سابا، وشاركَ فيها وفدٌ من اللقاء الأرثوذكسي برئاسةِ النائب السابق أمينِه العام الأستاذ مروان أبو فاضل، وعضويةِ بعض من أبرز أركانِه يتقدّمهم أمين السرّ الأستاذ سمير نعيمه. وشاركت أيضاً الرابطة اللبنانية للروم الأرثوذكس برئاسةِ الدكتور بشاره غلام وبعض أعضاء هيئتِها الإدارية الجديدة.

بدأ الإحتفال بالنشيد الوطني اللبناني ونشيد القسطنطينة الذي يعودُ للقرن السادس والذي أنشدهُ بطريركُ المدينة وشعبُها عندما إنحسر هجوم الفرس عليها والذي أصبح، منذ ذلك الحين، نشيدَ الروم في المسكونة كلها. ألقى، بعدئذٍ، رئيسُ الجمعية البروفسور نجيب جهشان كلمةً ترحيبيةً ضمَّنَها تجربةَ الجمعيةِ الثقافية منذ تأسيسِها والتي شملت تنظيم ندواتٍ ثقافية وحلقات تلفزيونية ومؤتمرات علمية ورحلاتٍ ترفيهية ثقافية ونشر كتاب “شمسي لن تغيب”. لكنَّ الجمعية إكتشفت، كما لاحظَ، لدى الشطر الأكبر من الشعب الرومي في لبنان غياباً مزمناً ولامبالاةً وإفتقاداً لحسّ الإنتماء وعدمَ إكتراث. وقال الدكتور جهشان بأنَّ أسبابَ هذه الحال المأساوية متعددةٌ، لكنَّ المسؤولين في الإكليروس والشعب درجوا، منذ قرون، على التعامي على هذه الحال وعلى إغماض العيون وصمّ الآذان.
إنتقلَ رئيسُ الجمعية، بعدئذٍ، الى تعداد بعض الوقائع والمعطيات التي تعبّرُ عن الإنكفاء واللامبالاة والجهل والغربة والإنفصام والإحباط، ومنها التبدّلُ الديمغرافيّ في المدن والبلدات المسيحية، والهجرةُ الكثيفةُ الى المغتربات، وإنخفاضُ الخصوبة وإنتشارُ العنوسة، وإمتناعُ الروم عن إرسال أولادِهم الى مدارس الطائفة، وإنخفاضُ متابعة الخدم الكنسية، وغيابُ روح السيمفونيا الرومية، والإرهاقُ الذي تسببّت به الإنشقاقات الدينية منذ سبعة عشر قرناً، وإنتخابُ الممثلين السياسيين للروم في كنف المكونات الأخرى، وإنحسارُ وجودِ الروم ودورهم وتأثيرهم في الدولة اللبنانية ودول المشرق الأخرى. وطالَب أخيراً ألإكليروس واللقاء الأرثوذكسي والرابطة اللبنانية للروم الأرثوذكس المشاركين بالإحتفال، وكل رابطةٍ أو جمعيةٍ رومية أرثوذكسية أو كاثوليكية أخرى، للتكاتفِ “لمعالجة هذا الواقع بجرأةٍ وإقدامٍ وعَجالةٍ قبل أن يفوتَ القطارُ وتتلاشى الفرصُ، فلا يبقى منا سوى الحجرُ دون البشر”.

تكلّمَ بعدئذٍ راعي الإحتفال محافظُ بيروت الأسبق المهندس نقولا سابا، شاكراً الجمعية الثقافية الرومية، متمنياً لها الاستمرار بحضورها الثقافي وتأثيرِها الايجابي في كشف كنوز المعرفة وأهمية الانتماء لما فيه خير المجتمع ولبنان. وأشادَ بإنجازات الجمعية الكثيرة ومن أبرزِها الندوات والمحاضرات الثقافية وبرنامج تراث من نور على تلفزيون تيلي لوميار نورسات. وذكَّرَ بدور الحضارة الرومية في منطقة المشرق ولدى جميع مكوناته الدينية والعرقية. وردّاً على طلبِ رئيس الجمعية معالجةَ وضع الروم المأساوي في لبنان والمشرق، إقترح المحافظ سابا انشاء مركز لدراسة النهضة الرومية تشمل المحاور التالية:
- الديموغرافيا والانحسار العدديّ والمجتمعيّ
- هجرة الروم واغترابهم
- دور المكوّن الروميّ في الكيان اللبناني والمشرقي
- انخراط الروم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمهنية في لبنان
- دعم دور مؤسسات الكنيسة الرومية في خدمة الشعب
- دراسة وتعزيز الوعي والانتماء للثقافة الرومية
- تحديد المخاطر والتحديات التي تواجه الرومَ ودراستها وايجاد الحلول لعلاجها والعمل لتخطّيها
- دراسة علاقة الروم اللبنانيين بالعالم الرومي والسعي لتعزيزها
وفي سياق كلمتِه، رحّب المحافظ سابا بإنتخاب الرئيس جوزيف عون، وتمنّى أنْ يُبنى مستقبلُ لبنان على حقوق وواجبات جميع مكوّناته بما فيها المكوّن الرومي العريق والنابذ للطائفية وهو المكوّن المسيحي الأول في المشرق والثاني في لبنان بعد الموارنة. أما في سوريا، فالمطلوبُ دولةٌ عادلةٌ وآمنةٌ ودستورٌ جديدٌ يحترم ويحمي جميع مكوّنات الشعب السوري، ومنها المكوّن الرومي، وأيّدَ كلامَ غبطة البطريرك يوحنا العاشر وعظاتِه الأخيرة النابعة من الوجدان السوري والمسيحي في آنٍ معاً.