جبال البترون السفلى مقصد الجمعية الثقافية الرومية في 13 نيسان 2019

نظَّمت اللجنةُ الإجتماعية في الجمعية الثقافية الرومية رحلتَها الأولى في سنة 2019 الى منطقة البترون في شمال لبنان، وقصدَت بالتحديد بلدات راشانا وسمار جبيل وجربتا وبجدرفل وكفيفان لتنتهي في ساحل الكورة بزيارة شكا وأنفه. إستقبلَت اللجنةُ الإجتماعية برئاسة السيد نقولا مقبل المشاركين الخمسين بالقرب من مدرسة زهرة الإحسان، باكراً يوم السبت 13 نيسان، ودعَتهم ليستقلّوا باصاً كبيراً ومكيّفاً غادرَ بيروت عند الساعة السابعة صباحاً.  وبعد إستراحةٍ لتناولِ الترويقة في أفران بيطار عند ساحلِ قرنة الروم، تابعَ الباصُ مسيرتَه قاصداً بلدة راشانا في منطقة البترون. تقعُ راشانا، هذه البلدةُ الصغيرة، على إرتفاع 380 متر فوق سطح البحر، وقد حوَّلها الإخوةُ الثلاثة ميشال وألفرد ويوسف بصبوص الى تحفةٍ فنية من خلال أعمال النحت التي أبدَعوا في صياغتِها على مدى 50 عاماً، حتى غدَت ملتقى لفنّاني النحت في لبنان. زار الوفدُ محترفَ راشانا للنحت الذي يضمُّ 95 منحوتة كبيرة معروضة في الهواء الطلق والذي أسَّسه ألفرد بصبوص في سنة 1994، ثمَّ زارَ منزل ميشال بصبوص الذي يحوي هو الآخرُ حوالي 200 منحوتة. ومن ضمنِ البيت هذا، زاروا المنحوتةَ السكنيّة التي لها شكلٌ بيضاويّ وهي مسكنُ ميشال بصبوص الخاص الذي تقيم فيه أرملتُه تيريز بصبوص. قابلت الأخيرةُ بعضَ أفراد الوفد الزائر وشرحَت لهم تاريخَ المنزل وأعمالَ زوجها. والجديرُ ذكرُه هو أنَّ تيريز عوّاد هي كاتبة وشاعرة. إلتقط الزوارُ العديدَ من الصور التذكارية في هذا المتحف الطبيعي.

إنتلقت الرحلةُ، في مرحلتها الثانية، الى بلدة سمار جبيل التاريخية القديمة التي تعودُ الى العصر الفينيقي. في طرفِ القرية تلّةٌ تعلو حوالي 500 متر عن سطح البحر وتعلوها قلعةٌ قديمة جداً يُعتقد بأنَّ ملوكَ جبيل الفينيقيين هم من بنَوها أولاً. لكنها إنتقلت لاحقاً الى أيدي الفرس ثم الى الإسكندر الكبير. وفي عصورٍ لاحقة، تناوب عليه الرومان والروم والعرب والصليبيون والمماليك والعثمانيون وبعض المشايخ المحليين. والجدير ذكرُه أنَّ الأسقفَ يوحنا مارون الذي أسَّس الطائفة المارونية لجأ الى هذه القلعةِ وأقام فيها قبل إنتخابِه بطريركاً وإنتقالِه الى كفرحي. تجوّلَ الوفدُ حولَ القلعة وداخلَها وتعرّفَ على الخندق الذي كان يحيطُ بها وعلى أبراجِها وقاعاتِها الداخلية التي جرى ترميمُها في العقود الأخيرة.

زار الوفدُ، بالقرب من القلعة، بئرَ القديس نوهرا الذي يُعتقدُ بأنَّه ألقيَ فيه عند إستشهاده. وتَعتبرُ التقاليدُ المحلية بأنَّ هذا القديس هو شفيعُ مرضى العيون يشفي أمراضَها على إختلافها عند الإغتسال بماءِ البئر. وفي البلدةِ كنيسةٌ أثرية تحملُ إسم القديس نوهرا، وهي تعودُ، على الأقل، الى العصر الصليبي ولا زالت تحملُ رسوماً تشيرُ الى تلك الحقبة. زار الوفدُ هذه الكنيسة ومعبداً رومانياً مجاوراً يُطلق عليه إسمُ سيدة المعونات.

وفي المرحلة الثالثة من الرحلة، زار الوفدُ ديرَ مار يوسف في بلدة جربتا البترونية. تأسَّس هذا الديرُ في سنة 1897، وكانَت الراهبة رفقا الريّس أحدى مؤسِّساتِه الستة من الرهبنة اللبنانية المارونية، وقد جرى إعلانُ قداستِها في روما سنة 2001. يضمُّ الديرُ مدفنَها ومتحفاً لمقتنياتِها وكنيسةَ القديس يوسف وكنيسةَ القديس يوحنا الحبيب وحديقةَ القديسة رفقا وبيتَ الراحة للمسنين. كما يجري بناءُ كنيسةٍ بازيليكية كبيرةٍ لتتسعَ للزوار الكثيرين. تجوَّلَ الوفدُ في مختلف أجزاء الدير وزار الكنيستَين وضريحَ القديسة رفقا وتجوّلَ في الحديقة.

وفي المرحلةِ الرابعة من الرحلة، عرَّج الوفدُ على دير القديسَين كبريانوس ويوستينا في بلدة كفيفان البترونية. يعودُ بناءُ هذا الدير الى القرن السابع ووردَ ذكرُه في مخطوطةٍ من سنة 717. الديرُ مكرّسٌ للقديسَين كبريانوس ويوستينا وهما قديسان أنطاكيان إستشهدا في زمن الإمبراطور ذيوكلتيانوس الذي إضطهدَ المسيحيين كثيرا في القرن الثالثً. تتولّى الرهبنةُ اللبنانية المارونية العنايةَ بهذا الدير الذي أقامَ فيه القديسُ الماروني نعمة الله الحرديني الذي رقدَ في سنة 1858 وطوِّب قديساً في سنة 2004. كما يضمُّ الديرُ ضريحَ الأخ إسطفان نعمه الذي أعلِنَ مكرّماً في سنة 2007. جال الوفدُ الزائرُ في مختلف أرجاءِ الدير وكنيستِه، كما أعجِبَ كثيراً بالحدائق والساحات التي تحيطُ به.

وزار وفدُ الجمعية الثقافية الرومية، في المرحلة الخامسة، بلدةَ بجدرفل حيث توقَّفَ في كنيسة القديس بندلايمون العجائبي، شفيعِ الأطباء في الكنيسة الرومية. تخدمُ هذه الكنيسة رعيّةَ بجدرفل، وبالقرب منها حديقةُ بلديةٌ وتمثالٌ حديثٌ للقديس بندلايمون. إلتقى الزوارُ بكاهن الرعية وإستمعوا الى شروحاتِه، ولاحظوا وجودَ أيقونةٍ روميةٍ للقديس يندلايمون على مذبح الكنيسة.

وعند الساعة الثانية بعد الظهر، توجّه الوفدُ الزائرُ الى مدينةِ أنفه عند الساحل الكورانيّ، وتناولَ افرادُه طعامَ الغداء في مطعم الحارة الشرقية. وكان هذا الغداءُ مكوّناً من الأسماك وثمار البحر، مثيراً إعجابَ ورضى المشاركين في الرحلة لإختلافِه عن المآدب التي تعوّدوا عليها في الرحلات السابقة.

وإكتملت مراحلُ هذه الرحلة الإستكشافية الرائعة بزيارةِ كنيسةِ تجلّي الربّ الأرثوذكسية في شكا، وزيارةِ متحف نابو التراثي في بلدة الهري المجاورة. أما كنيسة التجلي فهي كنيسة حديثة وواسعةٌ بنيت في العقود الأخيرة من القرن العشرين. تُميزُها جدرانياتٌ رائعة الجمال تذكِّرُ بالأحداثِ الإنجيلية الكبرى وبالعديد من القديسين، لكنَّ وجودَ جدرانية كبيرة في الحيط الغربي للكنيسة يلفتُ الأنظارَ لأنه مستوحىً من الحياة المعاصرة وفيه رسومٌ تمثِّلُ العناصرَ الحضارية العصرية.

وبعد كنيسة شكّا، إنتقل الزوار الى متحف نابو الذي جرى إفتتاحُه في سنة 2018 من قبل رجلِ الأعمال الثري جواد عدره. وإسمُ نابو يُطلقُ على إلهِ المعرفة والحكمة العراقي من العصور القديمة. أمّا المتحفُ فبناهُ النحاتُ العراقي ضياء العزّاوي والفنانُ العراقي الكندي محمود العبيدي، ويضمُّ ما لا يقلُّ عن ألفي قطعةٍ أثرية من بلادِ ما بين النهرين والمشرق الأنطاكي، إضافة الى أعمالٍ فنيةٍ ولوحاتٍ زيتيةٍ لفنانين لبنانيين معاصرين. ويقعُ المتحفُ بالقرب من الشاطئ المتوسطي ويطلُّ على رأس الشقعة الذي يعلوه دير سيدة النورية.    وكانت العودةُ سريعةً في وقتٍ متأخرٍ من يوم السبت هذا بعد أن تشبَّعَ المشاركون في الرحلة إستكشافاً وترفيهاً، وإزدادوا معرفةً بتراثِ إحدى أجمل مناطق لبنان.

Check Also

The Romaïan Cultural Society visits the Upper Metn area on October 20, 2018

On October 20, 2018, the Social Committee organized a cultural, religious, and recreational trip to …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Skip to toolbar