إنطلقت اللجنة الإجتماعية في الجمعية الثقافية الرومية، برفقة خمسين شخصاً، في السادس من تموز 2024، في رحلةٍ ثقافيةٍ وترفيهيةٍ الى بعض قرى قضاء البترون، وصولاً الى مدينة دوما التي تُعتبرُ مركزاً سياحياً كبيراً وشهيراً في لبنان الشمالي. غادر الوفدُ صباح يوم السبت 6 تموز مدينة بيروت في بولمان كبير ومكيّف، متوجِّهاً الى جونيه فجبيل، وصولاً الى جسر المدفون، حيث توقَّف في أفران Bread House لتناول فطور الصباح، مانحاً المشاركين فرصةَ اللقاء والتعارف. ورافقَ الوفدَ رئيسُ الجمعية الدكتور نجيب جهشان الذي شرحَ طوال الرحلة جغرافية المنطقة المقصودة في الرحلة وتاريخَها، مضيئاً على أهم معالمِها الدينية والتراثية والحضارية. إنطلقَ البولمان، بعد الترويقة، الى بلدة راشكيدا مروراً بإجدبرا وعبرين. سكانُ راشكيدا، التي يعني إسمها بالآرامية الرأسَ العالي، هم من المسلمين الشيعة، والعائلتان الرئيسيتان هما حماده وعلاء الدين. لكنَّ هذه القرية تضمُّ كنيسة القديس جاورجيوس الأثرية القديمة، والتي تعودُ الى القرون الوسطى، وهي الآن في عهدةِ الكنيسة المارونية. ترجّل الوفدُ من الباص في وسط البلدة، وتوجّه مباشرةً الى كنيسة القديس جاورجيوس لزيارتِها، وهي تتألف من كنيستين، الأولى مبنيّة حسب الطراز البازيليكي ومؤلفَّة من صَفَّين من الأعمِدة وثلاثة أروقة، أمّا الكنيسة الثانية فتقعُ وراءَ الأولى وهي من دون أعمدةٍ، ويرتكز سَقفُها المؤلَّف من عَقدين على الكنيسة الأولى. تَحتفِظُ الكنيستان ببقايا جدرانياتٍ، لم يبقَ منها سوى أجزاءُ ضئيلة، أشرفَت جَمعية تَرميم جدرانيات كنائس لبنان على العناية بها منذ سنة 2012. كشف الترميمُ، في الكنيسة الداخلية، عن مشهدٍ رائعٍ للعذراء والطفل يتوسَّطان القدّيسَين بطرس وبولس. أمّا في “الحنيَّة” الأولى فكُشِف بعد عَملية التنظيف عن رسمٍ للنبي إبراهيم يُضحّي بإبنه إسحق، وتظهر في “الحَنيَّة” الثانية، صورةُ التَضَرُّع مع المسيح الجالسِ على العرش يتوسَّط العذراء ويوحنّا المعمدان. وتتواجدُ في المساحة المَوجودة بين “الحَنيَّتَين” مَشهدٌ لصَلب المسيح، كان مُخبّأً تحت طبقة من الكِلس المُتَجمِّد والمُكدَّس على جدران الكنيسة منذ مئات السنين.

في المرحلة الثانية من الرحلة، إنتقل الوفدُ الى بلدة كفرحَي التي تبعدُ 14 كيلومتراً عن مدينة البترون، ومن أبرز الصروح الموجودة فيها، ديرُ مار يوحنا مارون الذي كان في الأصل ديرَ رأس مار مارون (دير ريش موران بالسريانية). تتضاربُ المعلومات حول تأسيس هذا الدير، لكنَّ الموقف الرسمي للكنيسة المارونية يقول بأن أولَّ بطاركة الموارنة يوحنا مارون هو الذي بناه لما كان أسقفاً على البترون ثمَّ إنتقل إليه بعد إنتخابِه بطريركاً في سنة 685، بعد شغور سُدَّةِ البطريركية الأنطاكية بوفاةِ البطريرك ثيوفانيس الثاني. يقال بأنَّ البطاركة الموارنة الأربعة الأوَل أقاموا في كفرحي (يوحنا مارون، وكيروس، وجبرائيل ودانيال الشاماتي) قبل أن ينتقلَ الكرسي البطريركي لاحقاً الى يانوح. في العام 1130، حملَ الصليبيون ذخائرَ القديس مارون من هذا الدير في كفرحي إلى روما، وبقيت هناك حتى سنة 2000 حين أعادَها الفاتيكان الى دير مار يوحنا مارون. زار وفدُ الجمعية الثقافية الرومية هذا الدير، وبالأخص كنيسة مار مارون حيث تتواجدُ هامة القديس، وقابلَ سيادةَ المطران منير خيرالله راعي إبرشية البترون المارونية الذي رحّب بالوفد وشرحَ له تاريخَ الدير والمنطقة. وبعد الدير، توجّهَ الوفدُ الى كنيستَي مار سابا الرعائية والسيدة المتجاورتَين في وسط بلدة كفرحَي، وهما كنيستان من العهد الصليبي تتميّزان بجدرانِهما السميكة وبوجودِ كتاباتٍ يونانية على حجارتهما ونواويس أثرية.

في المرحلة الثالثة من الرحلة، إنتقلَ المشاركون فيها الى بلدة بقسميّا التي تقعُ الى جانب نهر الجوز الذي يفصلُ قضاءَ البترون عن منطقة الكورة وهي بلدةٌ تواجهُ بلدة كفتون حيثُ دير السيدة الشهير. تشتهرُ بلدة بقسميّا بوجودِ معاصر ونواويس وأجران وفخارياتٍ وآبار مكشوفة وأخرى مُغلقة، وبدربٍ يصلُ الى ضفة نهر الجوز. ومن أهم معالمِ بقسميّا كنيسة القديس سمعان العامودي التي قصدَها الوفدُ مباشرةً عند وصولِه الى القرية. هي كنيسةٌ كانت في الأصل روميةً أرثوذكسيةً وإنتقلت الى الموارنة بعد هجرةِ الروم من البلدة في القرون البائدة. استُخدمت في بنائها بقايا حجارةِ معبد باخوس وقصر مايا الذي كان يعلو مرتفعات البلدة، وفوق باب الكنيسة وُضعَت عتبةُ المعبد التي نُقشت عليها ثلاثة رؤوسِ أسودٍ. كما استُخدِمت حجارةُ القصر والمعبد في بناءِ كنيسة السيدة العذراء الملاصقة لكنيسة القديس سمعان.
نزل الوفدُ بعدئذٍ الى ضفافِ نهر الجوز حيث توقّفَ لبرهةٍ عند الطواحين المائية المنتشرة على مجرى النهر وعند دروبٍ وجسورٍ رومانية كانت معبرًا تجاريًا لقوافل المكارية الذين كانوا يقصدون تلك المطاحن لطحنِ منتوجاتِهم وخصوصًا القمح. وكانت هذه الزيارة مناسبةً لإرتشافِ القهوةِ وإلتقاط الصور التذكارية. وفي المرحلة الرابعة من الرحلة، توجَّهَ الوفدُ الى بلدة كفرحلدا التي تشتهرُ بجوارها لنهر الجوز الذي يتخذُ من نبع دلّة مصدراً لمياهه الغزيرة. يروي نبعُ دلّة ونهرُ الجوز جميع أراضي كفرحلدا وكلّ منطقة البترون. تقومُ على ضفاف نهر الجوز حوالي عشرة مطاعم تشكّل عاملَ جذبٍ للسواح. وشاهد المشاركون في الوفد الشلالات التي توجدُ في آخر نبع دلّة في منطقة بساتين العصي. ومرّ الوفدُ في حيّ الكنائس حيث تتواجدُ كنائسُ عديدة، من أهمِّها كنيسة مار بطرس التي أقيمت مائدتُها على صخرةٍ منذ أكثر من مئةٍ وخمسين عاماً.

وفي المرحلة الرابعة والأخيرة من الرحلة، إنتقلَ الوفدُ الى مدينة دوما حيث أمضى حوالي الساعتين متجولاً في أسواق البلدة الأثرية والتي أصبحت مقصداً للسواح يشتهرُ بمبانيه القديمة وكنائسِه العريقة ومحاله التجارية العديدة.
وتناولَ الجميعُ الغداءَ في مطعم إسكلابيو Esculapio، الذي قدَّم مازة لبنانية متنوعة. وأحيا هذه المناسبة أحدُ المطربين برفقة فرقة موسيقية لبنانية.