بقلم الدكتور نجيب جهشان
سيرة حياته
إرنست مجدلاني من مواليد 10 نيسان 1920، في بيونس أيرس، من أهلٍ مهاجرين مؤقتاً الى الأرجنتين عادوا باكراً الى بيروت. أبوه جبرائيل مجدلاني، المنتمي الى عائلةٍ بيروتية رومية أرثوذكسية عريقة، لمع من بين أفرادِها نسيم مجدلاني النائب والوزير، والدكتور عاطف مجدلاني النائب في البرلمان اللبناني. أما أمه إدفيك خليل العم فتنتمي لعائلة العمّ البيروتية الروميّة أيضاً.
تزوج إرنست من ناديا نقولا قطان، وهي ممرضة تنتمي عائلتها الى طائفة الروم الكاثوليك في بيروت، وأنجبَ منها أربعة أولاد هم غبريال ونيكول وكوليت وبيار.
كان إرنست مجدلاني طالباً في مدرسة القديس يوسف للآباء اليسوعيين، وحصل على شهادة البكالوريا الفرنسية في سنة 1939. درس بعدئذٍ الطب في جامعة القديس يوسف وحصل على دكتوراه الدولة الفرنسية سنة 1945. كان طالباً لامعاً ونجح في مباراة الأطباء المقيمين في مستشفى أوتيل ديو، وبدأ أختصاصه في طب الأطفال ليحصل سنة 1947 على شهادة طب الأطفال من جامعة باريس، ويبقى مقيماً هناك ومتدرباً في مستشفى سان فانسان دي بول، حتى سنة 1952 حين نجح في مباراة الأستذة في طب الأطفال Agrégation. وبنى في تلك Lelong الفترة علاقةَ صداقةٍ حميمة مع أستاذِه مارسيل لولون

عاد الى لبنان في سنة 1952، وأضحى مباشرةً أستاذ علم طب الأطفال في جامعة القديس يوسف، وبقي مسؤولاً عن هذه الدائرة حتى سنة 1961، حين عُيِّن بروفسوراً ومولجاً بكرسي طب الأطفال في كلية الطب في هذه الجامعة.
لم يكنْ لطب الأطفال قسمٌ مستقلٌ في مستشفى أوتيل ديو الجامعي في حينه، فأسَّس قسماً صغيراً لهذا الطب في مستشفى سانت تيريز في الحدث، وكان من معاونيه الدكتور بيار دكاش، الذي عمل لاحقاً في الشأن العام وصار نائباً شهيراً في البرلمان اللبناني. وبقيَ في ذلك المستشفى يعمل ويدربُ طلاب الطب حتى سنة 1966.
إنتقلَ، في سنة 1966، الى مستشفى القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس في بيروت، وأسَّسَ قسم طب الأطفال فيه، وترأسَه حتى تقاعدِه في سنة 1985.
وفي فترةِ تقاعدته، سعى إرنست مجدلاني لتنمية هوايته الموسيقية بالعزف على البيانو، وأنتج العديدَ من القطع الموسيقية الفريدة والرائعة.
علاقته بالفرنكوفونية
كمعظم أبناء الروم في بيروت، في مطلع القرن العشرين، كان إرنست مجدلاني ذا ثقافة فرنكوفونية راسخة، طبعته من خلال دراستِه عند الآباء اليسوعيين وفي جامعة القديس يوسف. وكانت كلية الطب في الجامعة اليسوعية قد تأسست في 30 تشرين الثاني من سنة 1883، كمدرسةٍ للطب منافسة لكلية الطب في “الكلية السورية الإنجيلية” التي كان أسَّسها المرسلون الأميركيون المشيخيون سنة 1866. كان اليسوعيون موجودين في لبنان والمشرق، كإرسالية تبشيرية لاتينية كاثوليكية، منذ سنة 1625، ولعبوا دوراً أساسياً في تأسيس طائفة الروم الكاثوليك المنشقة سنة 1724 وفي تحويل العديد من القرى والعائلات الرومية الى الكثلكة. أما المشيخيون Presbyterians الأميركيون فجاؤوا الى لبنان في سنة 1823، وباشروا إنشاء المدارس البروتستانتية التبشيرية في المدن والقرى، وخاصة في الأماكن التي كان يتواجد فيها الروم لإقتناصهم.
وكان لإقامة إرنست مجدلاني في باريس بين 1946 و1952 أثرٌ دائم في شخصه ومبادئه وأسَّس لعلاقةٍ دائمةٍ مع العديد من الأطباء الفرنسيين المرموقين. أصبح عضواً في الجمعية الفرنسية لطب الأطفال، عضواً في الرابطة الدولية لأطباء الأطفال الناطقين بالفرنسية، وعضواً في اللجنة الدائمة لتنظيم مؤتمرات طب الأطفال الفرنكوفونية العالمية.
أما علاقته بجامعة القديس يوسف فكانت وطيدة أيضاً، بفعل ماضيه الدراسي، ونجاحِه في مباراة الأستذة لطب الأطفال في فرنسا، وعودتِه الى بيروت وإلتحاقِه بهذه الجامعة فور عودته. وبقي أستاذاً أول في هذه الجامعة حتى تعاقده في سنة 1987 ليصبحَ أستاذ شرف في طب الأطفال. ولم تعترف هذه الجامعة بأي قسمٍ لطب الأطفال سوى بقسم الدكتور مجدلاني في مستشفى الروم حتى تقاعده.
إرنست مجدلاني ومستشفى القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس
في سنة 1965، إتصل المسؤولون في مستشفى القديس جاورجيوس الذي كان يؤسِّس بناءً جديداً له بمساعدة الكنيسة الروسية بالدكتور إرنست مجدلاني طالبين منه تأسيس دائرة خاصة بطب الأطفال بالمبنى الجديد. وكان حينذاك المتروبوليت إيليا الصليبي راعياً لأبرشية بيروت الرومية الأرثوذكسية. نقلَ الدكتور مجدلاني الإقتراحَ الى عميد كلية الطب اليسوعية الأب جان ماديه الذي وافق فوراً على الإقتراح وقبل بأن تكون هذه الدائرة قسماً جامعياً في جامعة القديس يوسف. أشرف الدكتور مجدلاني على بناء القسم وتجهيزه، وتمَّ تدشينُه في سنة 1966. وتعزيزاً لتجهيزات القسم، توسَّط الأب ماديه والسفارة الفرنسية في بيروت لدى الحكومة الفرنسية، وأضافوا تجهيزاتٍ للدائرة بقيمة 80 ألف ليرة لبنانية. وأثناء الحرب الأهلية، توسّط السيد جورج عسيلي لدى المنظمة السويدية Save Children وحصل على مساعدةٍ للقسم ب500،000 ليرة لبنانية. وضمت الدائرة الأقسام التالية:
- قسم الأطفال الكبار المكوّن من 40 سريراً
- قسم الحديثي الولادة Néonatologie et Prématurés :15 سريراً
- العلب الخاصة بالأطفال المعزولين بسبب الأمراض السارية: 11 سريراً
- قسم الإنعاش والعناية الفائقة: 9 أسرة
- هذا الى جانب قسم التوليد والحضانة.
بقي البروفسور إرنست مجدلاني رئيساً لهذه الدائرة حتى بلوغه سن الخامسة والستين (أي 1985)، وإستمر يزاولُ مهنته ويثابر على العناية بالمرضى لعدة سنواتٍ بعد ذلك. وكان من أبرز معاونيه في الدائرة الدكتور جان فاصويان والدكتور فؤاد عطية وآخرون من تلامذته.
فضل إرنست مجدلاني على طب الأطفال في لبنان
يعود للبروفسور إرنست مجدلاني الفضل، الى جانب البروفسور هنري نخمان في الجامعة الأميركية ببيروت، في فصل طب الأطفال عن طب البالغين. فمعهما، وللمرة الأولى، لم يعدْ أطباءُ الصحة العامة وأطباء الإختصاصات الطبية يعتنون بالأطفال ويعالجون أمراضهم. وهذا التطور بالغ الأهمية لأن مبادئ العناية بالأطفال تختلف عن تلك الخاصة بالبالغين، وأمراض الأطفال تختلف، في كثيرٍ من الأحيان، عن أمراض البالغين. ومن أهم الإنجازات الطبية التي تميّزَ بها الدكتور مجدلاني تشخيصه وعلاجه للdéshydratation infantile وهي حالة لم تكنْ معروفة جيداً.
ومن إنجازات الدكتور مجدلاني عدم إكتفائه بتأسيس دائرة لطب الأطفال بل تطويره العناية المركزة وطب حديثي الولادة وتشجيعه طلابه للإختصاص في فروعٍ متعددة من طب الأطفال بحيث أصبحت دائرته في مستشفى القديس جاورجيوس مرجعاً وطنياً وشرق أوسطياً وفرنكوفونياً في طب الأطفال الحديث.
وكان البروفسور مجدلاني مرجعاً شخصياً في طب الأطفال، وكانت عيادته مزدحمة بالأطفال المرضى من جميع مناطق لبنان.
أحصينا له، حتى سنة 1984، 28 منشوراً أو مقالاً طبياً.
إنتخب البروفسور إرنست مجدلاني مرتَين رئيساً للجمعية اللبنانية لطب الأطفال.
إرنست مجدلاني مؤسس تعليم طب الأطفال في لبنان
عندما أسَّسَ الدكتور مجدلاني دائرة طب الأطفال في مستشفى القديس جاورجيوس، كان أيضاً أستاذَ طب الأطفال في الجامعة اليسوعية جالساً على كرسي هذا الإختصاص، ومعترفاً به من قبل الدولة الفرنسية كأستاذٍ جامعي. تمكن فوراً من إستقبال طلاب الطب والأطباء الراغبين في الإختصاص. مع مرور الزمن، نجح في تأسيس البرامج الأكاديمية التالية:
- برنامج إختصاص لبناني في طب الأطفال، مدته 3 سنوات، يفضي الى شهادة طب الأطفال من جامعة القديس يوسف
- برنامج إختصاص في طب الأطفال معترف به من جامعات باريس وليون وغرونوبل، مدته 4 سنوات، يفضي الى شهادة CES الفرنسية
- برنامج إختصاص معترف به من مجلس الإختصاصات الطبية العربية، يسمح للطبيب بالتقدم لإمتحان البورد العربي في طب الأطفال
تشير الوثائق المتاحة لنا بأن عددَ أطباء الأطفال الذين تخصصوا تحت إشراف البروفسور مجدلاني وفي دائرته يفوق المئة والعشرين. وأصبح العديدُ منهم رؤساء أقسام طب الأطفال في العديد من المستشفيات اللبنانية.
وفرضَ تأسيسُ دائرة طب الأطفال وتطورُها في مستشفى الروم نشوءَ قسم لجراحة الأطفال ترأسه البروفسور سامي كرياكوس.
تكريم إرنست مجدلاني
كانت الدولة الفرنسية أولى المبادرين، في سنة 1965، لتكريم البروفسور مجدلاني. منحته وسام السعف الأكاديمية من درجة فارس. وعادت، في 8 حزيران 1988، ومنحته وسام الإستحقاق الوطني الفرنسي من رتبة كومندور.
كرمته الدولة اللبنانية في عهد الرئيس إلياس الهراوي ومنحته وسام الأرز اللبناني من رتبة كومندور، وقد علقته على صدره السيدة الأولى منى الهراوي بحضور وزير الصحة مروان حماده.
وكرمته الكنيسة الأنطاكية الرومية الأرثوذكسية بمنحه، في سنة 1987، وسام القديسين بطرس وبولس. كما منحه مستشفى القديس جاورجيوس ونقابة أطباء لبنان وجمعية أطباء الأطفال مداليات تقديرية.
وعند تقاعده الأكاديمي في سنة 1987، عينته جامعة القديس يوسف أستاذ شرف مدى الحياة في طب الأطفال. لكنه بقي يمارس الطب، على صعيد شخصي، حتى سنة 1995، وتوفيَ سنة 2013.

كان البروفسور إرنست مجدلاني أول الراقدين الذين سجلتهم الجمعية الثقافية الرومية في السجل الذهبي للمبدعين الروم الراقدين في 29 إيار 2016. ونظمت إحتفالاً تكريمياً له في قاعة الوليد بن طلال في مبنى نقابة الأطباء، تحت رعاية محافظ مدينة بيروت سعادة القاضي زياد شبيب. تكلم في الإحتفال:
الترحيب بالحضور والتعريف بالإحتفال: الدكتور جاك مخباط | الدكتور جاك مخباط |
ب. نشيد الجمعية الروميَّة القسطنطيني | |
ت. السجل الذهبي للمبدعين الراقدين: الدكتور نجيب جهشان | الدكتور نجيب جهشان |
ث. إرنست مجدلاني الطبيب المربّي: الدكتورة هيلدا شكر | الدكتورة هيلدا شكر |
ج. إرنست مجدلاني الأب وربًّ العائلة: الدكتور بيار مجدلاني | الدكتور بيار مجدلاني |
ح. إرنست مجدلاني الموسيقار: الدكتور رامي غبريل | الدكتور رامي غبريل |
خ. دور إرنست مجدلاني في طب الأطفال اللبناني: الدكتور برنار جرباقه | الدكتور برنار جرباقه |
د. إرث الطبيب المبدع في لبنان: النقيب أنطوان بستاني | النقيب الدكتور أنطوان البستاني |
ماذا إكتسبنا من رجالٍ كبارأمثال إرنست مجدلاني: الدكتور عاطف مجدلاني | النائب الدكتور عاطف مجدلاني |
تكريم المواطن البيروتي العريق: المحافظ زياد شبيب | المحافظ القاضي زياد شبيب |

وفي الخلاصة، يمكن القول بأنَّ:
- إرنست مجدلاني مبدع روميّ من بيروت، يأتي في السياق التاريخي للإبداع الرومي في الطب منذ القرن الرابع، بعد تأسيس القسطنطينية. الإبداع في الطب سمة من سيم الروم عبر التاريخ.
- شخصية إرنست مجدلاني تترجم واقع الروم في بيروت في القرنين التاسع عشر والعشرين، عندما إزدهرت بيروت وكان للروم دور كبير في هذا الإزدهار. وقد إرتبط دورهم كثيراً بالفرنكوفونية لأنهم كانوا على تماسٍ وثيقٍ بالمدارس الأجنبية الفرنكوفونية وبالدولة الفرنسية.
لعب إرنست مجدلاني دوراً كبيراً في تطوير مستشفى القديس جاورجيوس في بيروت، وهو المستشفى الأرثوذكسي الوحيد في لبنان، والذي إستطاع أن يكوّن له مكاناً بارزاً بين الوسطين الأنكلوفوني والفرنكوفوني دون أن يخسر فرادته وميزته الرومية